Monday, August 28, 2006

جنداى فريزر بين الجنة والنار

مهمة مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون الافريقية جنداي فريزر فى الخرطوم لحمل الحكومة على قبول نشر قوات تابعة للامم المتحدة في دارفور، هل هى مهمة مستحيلة، أم يمكن خلالها الوصول الى منطقة وسطى (بين الجنة والنار)، قبيل وصول جنداى للخرطوم استنفد كل طرف مخزونه من التهديد والتهديد المضاد متمترسا خلف الحفاظ على السيادة الوطنية من جهة الحكومة، ودرء تدهور الاوضاع الانسانية من قبل الولايات المتحدة وبيرطانيا وهى الذريعة التى تشدد عليها لتبرير مشروع القرار المطروح للتشاور فى مجلس الامن اليوم والمفخخ ببنود تضع السودان تحت الوصايا الدولية.

الرئيس البشير استبق لقاءه بمعوثة الرئيس بوش بالتأكيد على رفض السودان لتدخل القوات الدولية فى دارفور، واقترح كحل للازمة نشر عشرة آلاف جندى سودانى بدلا عن القوات الدولية المقترحة، بينما قالت جنداى قبل وصولها الخرطوم ''وحدها قوات تابعة للمنظمة الدولية تتسم بالصلابة ستكون شرعية للعمل بفاعلية في دارفور''.

ونشطت التحركات الدبلوماسية عشية اقتراب جلسة مجلس الامن على أمل ردم الهوة بين الموقف السودانى والمواقف الدولية او على الاقل تقليل فرص التصادم بين الموقفين، مما يضيع اصل المسألة وهو انسان دارفور وكيفية الحفاظ على حياته واعادته الى حياة الامن والاستقرار والكرامة التى كان يعيشها قبل ثلاثة اعوام خلت من الحرب والتشريد والمعاناة، وفى سياق جهود اللحظة الاخيرة حل رئيس مفوضية الاتحاد الافريقى الفا عمر كونارى ضيفا (فجائياً) على الخرطوم فى ذات الليلة التى وصلت فيها جنداى وغادر كونارى الى نيويورك حيث جلسة مجلس الامن واللغة التى تحدث بها اميل الى التهدئة منها الى المواجهة عندما قال ان مشاكل السودان لايمكن حلها الا بالحوار وحول مشروع القرار الامريكى البريطانى قال كونارى ماسيحدث لن يكون خارج اطار التعاون والحوار مع السودان.

السودان رغم التعبئة لمقاومة القوات الدولية واجواء المواجهة التى يمكن ملاحظتها فى اداء بعض المسؤولين ووسائل الاعلام إلا انه لايزال يعول كثيراً على الورقة الدبلوماسية فى تجاوز هذه الهجمة الامريكية ضده، ويستفاد فى ذلك من زيارة وزيرالخارجية الدكتور لام اكول الى غانا وهى الرئيس الحالى لمجلس الامن عسى ان تستجيب لطلب الحكومة السودانية بتأجيل جلسة مجلس الامن وطبعا ضمنيا مساندة موقفها الرافض لمشروع القرار اصلاً.

إختراق فى مفاوضات جوبا !


اختراق كبير شهدته مفاوضات جوبا بين الحكومة اليوغندية ومتمردى جيش الرب بالتوقيع على اتفاق للهدنة المؤقتة ابان التفاوض، وتأتى اهمية هذا الاتفاق من المناخ المواتى لتعزيز الثقة بين الاطراف الذى سيوفره سريان هذا الاتفاق، لاسيما وان الموافقة الحكومية جاءت بعد رفض وممانعة سابقة من كمبالا بعدم التوقيع على اتفاق لوقف اطلاق النار إلا فى اطار الاتفاق الشامل.
هذا الاتفاق يدفع بمسار التفاوض نحو آفاق التسوية الشاملة لواحدة من اكثر الصراعات الافريقية دموية، وبرغم ان ملفات عديدة تنتظر المفاوضين والوسطاء على طاولة مفاوضات جوبا، إلا ان حكومة جنوب السودان يحق لها ان تتباهى بإحراز تقدم فى المفاوضات التى تتوسط فيها، انطلاقا من حرصها على تأمين محيطها الاقليمى وانهاء الوجود السلبى لعناصر جيش الرب فى اراضيها من جهة، ومن جهة اخرى تقديم خبراتها فى التفاوض لإطفاء حرب الشمال اليوغندى وبالتالى طرح نفسها كلاعب اقليمى نزاع الى السلم والاستقرار فى المنطقة والحصول على دور اقليمى على غرار كينيا التى اسهمت بالتوسط لانهاء حرب العشرين عاما بالسودان والحرب الاهلية فى الصومال.
رحلة البحث عن السلام الشامل فى شمال يوغندا تبدأ باتفاق الهدنة ولكنها تحتاج الى خطوات كثيرة قبل بلوغ نهاياتها، وعلى الاطراف اظهار قدر من الجدية فى المسعى نحو السلام، ولعل ذلك ما اشار اليه الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة جنوب السودان وكبير الوسطاء عندما أعرب عن أمله في أن يكون طرفا الصراع جادين في إنهاء واحدة من أطول الحروب الأهلية في أفريقيا.
حاجز سميك من فقدان الثقة لا يزال ينهض بين طرفي الصراع فى يوغندا رغم جلوسهما الى طاولة التفاوض منذ 14 يوليو الماضى بجوبا، فلا يزال قادة جيش الرب تنتابهم الريبة تجاه عرض الرئيس اليوغندى يورى موسيفينى بالعفو عن زعماء المتمردين المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، والدليل على ذلك انهم فضلوا البقاء فى الكنغو الديمقراطية والمنافى الأخرى على بلادهم بل حملت الانباء ان زعيم جيش الرب جوزيف كونى قد شرع فعلا فى طلب اللجوء السياسى لدى جارة يوغندا افريقيا الوسطى حتى قبل انتظار ما تسفر عنه المفاوضات فى جوبا.

Tuesday, August 22, 2006

جوزيف كونى العربى


زعيم جيش الرب اليوغندى جوزيف كونى واحد من اكثر الشخصيات اثارة للجدل فى افريقيا، فالرجل يخوض حربا ضد السلطة فى كمبالا لحوالى عشرين عاما، من اجل تطبيق الوصايا العشر للسيد المسيح ومن المفارقة ان نضال كونى تميز بوحشية قاسية ، من خطف للاطفال واغتصاب للنساء وحرق للقرى ، فى تناقض مع الوصايا العشر التى يناضل باسمها خصوصا الوصية السادسة والسابعة والثامنة التى تقول على التوالى لا تقتل ولا تزن ولا تسرق!
كونى برغم جنوحه للسلم وموافقته على التفاوض مع حكومة يورى موسفينى فى اطار وساطة حكومة جنوب السودان إلا انه لايزال يثير الجدل والريبة حول جديته نحو السلام وفى آخر تصريحاته قال كونى انه لن يعود الى يوغندا مهما تكن نتائج مفاوضات السلام التى يجريها جيش الرب مع الحكومة اليوغندية بجوبا الآن، وسمى كونى فى مقابلة مع صحيفة نيوفيشن اليوغندية دولاً بعينها قال انه سيشعر فيها بالراحة والامان اكثر من موطنه يوغندا والدول هى الولايات المتحدة الامريكية ودول من اوربا(لم يحددها) وافريقيا الوسطى وكينيا والسودان و اية دولة عربية، واضاف انه يتمتع بعلاقات وصداقات واسعة، ويمكنه وقادة جيش الرب العيش بسلام فى اكثر من مكان بالعالم.
اللافت فى كلام كونى ثقته فى ان اى بلد عربى سوف يستقبله ليمضى بقية عمره هاربا من المحكمة الجنائية الدولية التى اصدرت مذكرة اعتقال بحقه وعدد من اتباعه بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وفى الواقع كونى لاتربطه اية صلة ببلد عربى اللهم إلا السودان فى وقت ما وطبقا لظروف معينة انتهت بتوقيع الحكومة السودانية اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية ، وعلاقة السودان بكونى حينها كانت ضمن تقليد افريقي بان تحتضن كل دولة معارضين ومتمردين من الدولة الاخرى فى معاملة بالمثل وتوظيفها فى الصراع بين الدولة والخارجين عنها او بين الدولة وجارتها احيانا، وعليه لا يمكن لكونى ان يتوقع من بلد عربى استضافته فهو اولا غير عربى وغير مسلم ومتمرد ومرتكب فظائع ضد الانسانية فهو ليس عيدى امين الذى استقبلته العربية السعودية كمنفى الى حين وفاته باحد مستشفياتها.

Monday, August 21, 2006

حزب الله والضغط على السودان

يتعرض السودان هذه الايام الى ضغوط رهيبة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ، لحمل الحكومة على قبول قوات دولية فى دارفور بهدف حراسة اتفاق السلام الذى وقعته الحكومة مع فصيل منى اركوى من حركة تحرير السودان فى مايو الماضى، وانضمت اليه لاحقا عدد من الفصائل بينما لايزال فصيل عبد الواحدمحمد نور ممانعاً عن التوقيع على اتفاق التسوية الذى رعاه الاتحاد الافريقى، ومطروح امام مجلس الامن الآن مشروع قرار امريكى بريطانى ينص على إرسال حوالى ( 17) ألف جندي وثلاثة آلاف شرطي إلى دارفور، القرار يمكن تبنيه دون موافقة الحكومة ولكن كيف يمكن نشر القوات دون موافقة الحكومة؟
ولايمكن عزل النقاشات الدائرة فى مجلس الامن بخصوص السودان والتهديدات التى ما انفك مسؤولو الادارة الامريكية توجيهها عن المعطيات الاقليمية الراهنة ولاسيما نتائج الحرب بين حزب الله واسرائيل ، فالتحرك الامريكى البريطانى الاخير وباللهجة (الصارمة) تلك، كان ردا على خطاب الرئيس البشير عندما قال فى الاحتفال بعيد الجيش السودانى: (اننا مصممون على هزيمة أي قوات تدخل البلاد تماما مثلما هزم حزب الله القوات الاسرائيلية)، فحتى لايصبح انموذج حزب الله قابل للإقتداء كان لابد من تلقين السودان درسا رادعا .
امريكا وبريطانيا تعرضتا الى انتقادات لاذعة بسبب موافقهما من الازمة اللبنانية، والتباطؤ فى استصدار قرار من مجلس الامن لوقف اطلاق النار، واعطاء اسرائيل اقصى مهلة ممكنة لسحق حزب الله ولكنها فشلت فى ذلك، الاحساس بان الدولتين اللتين كان بمقدورهما وقف العدوان الاسرائيلى على الاطفال والنساء العزل فى لبنان والحيلولة دون تدمير البنيات التحتية للبنان هو الذى يدفع الدولتين الى تسجيل موقف انسانى على الاقل من وجهة نظريهما فى دارفور، لانهما بحاجة الى انقاذ عاجل لموقفهما الاخلاقى الذى كشفته الازمة اللبنانية، فوجدا اقرب شىء هو موضوع دارفور.
مشروع القرار الامريكى البريطانى يرشح علاقة السودان بالمجتمع الدولى الى صدام جديد ، ولكن المتحمسون للقرار نسوا عقبات اساسية تجعل من تطبيق القرار على الارض الواقع امرا عسيرا، منها ان عديد القوات البالغ (17) الفاً من اين يمكن توفيره ، فاذا كانت القوة المقترحة للبنان لم يكتمل نصابها بل اكبر المتحمسين لها وهى فرنسا التزمت فقط بـ(200) جندى من جملة (15000) نص عليها القرار.

Saturday, August 19, 2006

ضمانات موسيفينى

توقفت المفاوضات بين الحكومة اليوغندية ومتمردى جيش الرب التى تجرى فى جوبا حتى غداً الجمعة ريثما يوارى جيش الرب جثمان القائد راسكا لوكويا الذى قتله الجيش اليوغندى أخيرا، وأكدت الاطراف ان المفاوضات ستتواصل دون التأثر بحادث مقتل احد قياديى جيش الرب والمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ، وإغتيال هذا القائد جاء فى توقيت عصيب كاد ينسف جهود حكومة جنوب السودان وواسطتها لإنهاء الحرب بين كمبالا وجيش الرب، فقد اصطدمت المفاوضات اولاً، بموقف كمبالا الرافض لوقف اطلاق النار إلا فى اطار اتفاق تسوية شامل وليس فى اطار اتفاق ابتدائى منفصل ، مما اضطر جيش الرب الى اعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد، وبعد اغتيال القائد راسكا ادرك الجميع لماذا رفضت كمبالا الزام نفسها باتفاق لوقف اطلاق النار فى وقت المفاوضات لا تزال فى بداية مشوراها الطويل الى التسوية الشاملة، عقبة وقف اطلاق النار ليست هى الاولى ، فسبق ان ابدت كمبالا عدم الرضاء عن مضمون الخطاب الذى القى بالانابة عن زعيم جيش الرب جوزيف كونى فى افتتاح المفاوضات، ولكن الوسيط استطاع الخروج بهذه المفاوضات الى بر الاستمرار حتى اللحظة، وتميزت بالتأرجح بين الامل والخيبة فى التوصل الى سلام.
الرئيس اليوغندى يورى موسيفينى اعطى المفاوضات دعما قويا عندما نقل عنه نائب رئيس حكومة الجنوب الدكتور رياك مشار، تعهدا لا رجعة فيه بضمان عدم تسليم كل من جوزيف كونى ونائبه فنسنت اوتى الى المحكمة الجنائية الدولية فى حال التوصل الى اتفاق سلام، وموضوع الضمانات كان العقبة الكبرى امام وصول كونى ونائبه الى مقر المفاوضات بجوبا لإعطائها الزخم والتفويض الذى تستحقه، موسيفينى لم يقطع عهدا فحسب ،بل أكد على ذلك بانه لن يكرر سيناريو تسليم الرئيس الليبيرى السابق شارلس تايلور الى المحكمة الدولية بواسطة السلطات النيجيرية ، وارسل موسيفينى رسالة ضمنية تنتقد معالجة نيجيريا لملف تايلور الذى لاذ بها منفيا فى اطار اتفاق لحقن دماء الليبيريين بالتنازل عن السلطة ثم رضخت ابوجا لاحقا لضغوط المجتمع الدولى وسلمته الى المحكمة الدولية .

Tuesday, August 15, 2006

مزارع شبعا او العودة الى الحرب

بدخول وقف اطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ امس تكون جولة من المعارك قد انتهت، ولكن الحرب لا تزال مفتوحة على احتمالات العودة مجدداً ما لم تحسم الدبلوماسية الملفات العالقة فى علاقات البلدين المشوبة بالقتال ومنها مصير مزارع شبعا، فمنطوق القرار الدولى 1701، ينص على تكليف الامين العام للامم المتحدة كوفى عنان تقديم مقترحات لحل قضايا شائكة، مثل ترسيم الحدود ومزارع شبعا فى غضون شهر من تاريخ صدور القرار .
ومزارع شبعا ظلت دوما مصدراً للتوترات الاسرائيلية اللبنانية، وكان الرئيس الامريكى الاسبق بيل كلينتون قبيل مغادرته البيت الابيض بساعات قال (حسب نيويورك تايمز): ان الحرب القادمة فى الشرق الاوسط لن تنطلق من فلسطين ولا العراق بل من مزارع شبعا فى جنوب لبنان!
وتبقى مهمة عنان فى تسوية ملف شبعا عصية ومتشعبة، وتضمينها فى القرارالاخير عده الكثيرون مظهراً من جدية المجتمع الدولى لمعالجة الازمة ، وثمة سؤال فرعى هل أدرجت فرنسا موضوع شبعا فى القرار، لاحساسها بالذنب كونها اول من باع مزارع شبعا اللبنانية الى اليهود فى العام 1924 مقابل حصول شركة فرنسية امتياز تجفيف مستنقعات (الحولة) برغم ان اتفاق ترسيم الحدود بين الانتداب الانجليزى فى فلسطين والفرنسى فى لبنان ادرجها ضمن الاراضى اللبنانية، فى اتفاق (نيوكامب ، بوليه ) 1923 .
ارتبطت مزارع شبعا بتنازع تبعيتها أهى لبنانية أم سورية، تاريخيا ظلت المزارع لبنانية منذ 1942، وبعد نكبة 1948 ومع تفاقم اعمال السطو والتهريب، اتفق وفدان عسكريان لبنانى وسورى بان تتولى سوريا ضبط الامن فى المنطقة لعدم قدرة لبنان عسكريا على ذلك ،وظلت كذلك حتى العام 1976 عندما اجتاحت اسرائيل الجولان والضفة الغربية وسيناء، وقامت بإرسال وحدات استطلاعية الى المنطقة واستطاع الاهالى القبض على جندى اسرائيلى وتسليمة للسلطات اللبنانية، واتخذته اسرائيل ذريعة (كما فى الحرب التى انتهت للتو) للهجوم الواسع على شبعا واعلان احتلالها رسميا فى العام 1970 ، ولم تتقدم لبنان بعدها بشكوى الى مجلس الامن بل فى مذكرة الى المنظمة العام 1969 قالت انها ليس لها اراض محتلة من قبل اسرائيل .
هذا الايجاز التاريخى يشير الى اهمية وتعقيدات هذا الملف الذى بدونه لن تخمد النار فى المنطقة ابدا ، قد تتوارى تحت رماد القرار الدولية ولكنها ما تلبث ان تندلع مجددا ، والاطماع الاسرائيلية فى لبنان ليست مرتبطة فقط بنزع سلاح حزب الله او حتى بزواله من الوجود بل ارتباط عقدى ولسنا فى حاجة الى التذكيران اسرائيل دولة دينية ، تلتزم التزاما عقديا بتعاليم اليهودية وقد جاء فى التوراة تعريف (ارض الميعاد) بانها كل مكان تدوسه اقدامكم يكون لكم من البرية ولبنان !

Monday, August 14, 2006

إنتصار (إلا ربع) لحزب الله

لم يبق على بدء سريان وقف اطلاق بين اسرائيل وحزب الله فى حربهما الدائرة منذ اكثر من شهر سوى ايام ، بعض المصادر الاسرائيلية توقعت ذلك غدا الاثنين، ولكن ليس التوقيت هو مايشغل البال بل الطريقة التى انتهت بها الحرب، فهذه الحرب، كما كل الحروب كان ينبغى لها ان تنتهى الى منتصر ومنهزم، لكنها انتهت الى منتصر (إلا ربع) وهو حزب الله ، ومنهزم (إلا ربع ) وهى اسرائيل ، فرغم احراز حزب الله نتائج مذهلة فى الميدان، الا ان الاطراف التى (طبخت) مشروع الحل الدبلوماسي بما فيها (الوفد العربي ) لم تشأ ان يخرج حزب الله من هذه الحرب منتصراً او هكذا يمكن ان يصوره القرار الدولى ، بعد ان حقق على الارض مكاسب تثير ريبة شركائه فى الداخل اللبنانى والخارج العربى، ولوخرج (منتصرا) بمنطوق القرار الدولى فلن يجد الزعماء العرب (المشككون) فى نواياه وقدراته عذرا، امام شعوبهم، فكان لابد ان يخرج القرار على النحو الذى خرج به، ويسجل للعرب نصرا دبلوماسيا قل نظيره، فقد كان للوفد العربى الى مجلس الامن دوره الحاسم فى التعديلات التى ادخلت على مشروع القرار الاول، ورغم اعتراف وزير حارجية قطر ان القرار ليس مثاليا ولكنه افضل ما يمكن تحقيقه فى ظل الظروف الدولية الراهنة بتحالفاتها وتكتلاتها المتشعبة.
ما اشرنا اليه من نصر (إلا ربع) لحزب الله ، يتعلق بالبند القائل بتسليم الجنديين الاسيرين دون شروط ، وما انقذ اسرائيل من الهزيمة الكاملة فى القرار تجاهل الحديث عن مزارع شبعا، وفى المقابل تجاوز القرار الحديث عن نزع سلاح حزب الله وإحالته تلقائيا الى الحوار اللبنانى اللبنانى ، واجمع العديد من المراقبين على ان لغة القرار «1701» كانت متقدمة جداً فى التعاطى مع حزب الله فهى ربما تكون الاشارة الاولى الى الحزب فى قرار دولي دون اتباعه بصفه (ميليشيا) ناهيك عن نعته بالمنظمة الارهابية كما تشتهى اسرائيل .
القرار «1701» الذي يدعو الى وقف الاعمال الحربية بين اسرائيل و''حزب الله'' تمهيداً لوقف نار دائم، وانسحاب اسرائيلي من الاراضي اللبنانية بالتزامن مع انتشار الجيش اللبناني في الجنوب تدعمه قوة الامم المتحدة الموقتة في لبنان ''اليونيفيل'' التي تقرر تعزيزها ليصل عددها الى «15» الف رجل مزودين عتاداً وصلاحيات اوسع، يشكل مخرجاً للمجتمع الدولي الذى تحرك اخيرا جدا ، ومخرجا لاسرائيل من هزيمة ساحقة على يد حزب الله ، وما تقوم به من عمليات الآن ما هو إلا محاولة للخروج بما يحفظ ماء وجه حكومة اولمرت المهددة بحساب عسير من الداخل الاسرائيلى بعد انقشاع الازمة لسوء اداراتها للمعركة على حد تعبير المعارضة ونتائج استطلاعات الرأي الاسرائيلي .

Wednesday, August 09, 2006

من ينتصر الساسة ام العسكر؟

بات في شبه المؤكد ان الحرب الراهنة بين اسرائيل وحزب الله ستضع اوزارها فى غضون ساعات او قل ايام ، ولكن من غير المؤكد بعد من الذى يرسم الخاتمة، أبريشه السياسى أم برصاصة الجندى، فالسباق محموم بين العسكر من جهة والساسة من جهة اخرى لوضع نهاية لهذه الحرب ، ليس بالضرورة ان تكون النهاية عادلة وتحقق اهداف اطراف الحرب جميعا ، لكنها لا يمكن ان تستمر هكذا الى ساعات وايام قادمات ، فإسرائيل فى آحر مواجهاتها مع لبنان اى فى حرب العام 1982 استطاعت فى غضون شهر ان تنجز اهدافها بتدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية وارغمت قيادتها ومقاتليها على الخروج من بيروت الى تونس ومن مخاض تلك الحرب ولد (حزب الله ) والمفارقة انه لا يزال صامداً لاكثر من شهر فى وجه اسرائيل وهذا الصمود الذى يقارب الفعل الاسطورى بالنظر الى امكانيات الطرفين العسكرية وخبراتهم القتالية هوالذى جعل النخب العسكرية الاسرائيلية الانكباب على معارك (اللحظات الاخيرة ) بتكثيف هجماتها على الجبهات كافة على امل الظفر بما يمكن ان تسميه انجازا عسكريا ملموسا ، وفى المقابل تتجه الانظار الى نيويورك ، حيث المعركة الدبلوماسية والسياسية فى الساعات الاخيرة التي تسبق صدور قرار عن مجلس الامن الدولي لانهاء الحرب ، ودخلت المعركة السياسية منعطفا مهما بوصول وفد الجامعة العربية الى نيويورك لدعم المطلب اللبناني والمساهمة بخروج قرار على الأقل يكون (متوازناً)، فضلا عن تسريبات اعلامية تتحدث عن نوايا امريكية وفرنسية وهما الدولتان اللتان تقدمتا بمشروع القرار فى اجراء تعديلات على المشروع بحيث لا يكون مرفوضا من قبل اللبنانيين فقد اعلن وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي ان فرنسا طلبت من الولايات المتحدة تأجيل عرض مشروع القرار المتعلق بلبنان على مجلس الامن حتى يتم ادخال بعض التعديلات عليه ومن بينها المطالبة بانسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني.
من جهة اخرى يسابق العسكر الاسرائيليون الزمن من اجل وضع نهاية الحرب بتوقيعهم من خلال الحاق الاذى بعناصر وقادة حزب الله وصواريخه التى تتساقط كالمطر على شمال اسرائيل ووصلت الى الخضيرة فى العمق ولايزال تهديدها لتل ابيب ممكناً وجدياً، ويمكن التقاط مؤشرات التصعيد اللاهث للعمليات العسكرية من الميدان ومن ما يدور فى اروقة الحكومة الاسرائيلية اذ دعت الى انعقاد مجلس الوزراء المصغر (مجلس الحرب) اليوم الاربعاء لبحث التوسيع المحتمل للعمليات العسكرية .
اذاً السباق المارثونى المحموم بين العسكر والساسة والدبلوماسين خلال الساعات او الايام القليلة المتبقية من الحرب هو ما يميز المشهد الاخير منها، وما لم يستطع احد الاطراف تحقيقه فى الميدان يستطيع استرداده بالسياسة!

Tuesday, August 08, 2006

اجتماع بيروت ورفع العتبى

ما انتهى اليه اجتماع وزراء الخارجية العرب فى بيروت أمس من قرارات مساندة للموقف اللبنانى من مشروع القرار الامريكى الفرنسى بمجلس الامن ومن مجمل الحرب الاسرائيلية الشرسة على لبنان يمثل الحد الاقصى من قدرة العرب على التحرك والعمل المشترك ، ويرفع الى حد ما العتبى عنهم، لاسيما عن مواقفهم الاولية التى لم تكن فى مستوى التحدى ، وابتعاث مجلس الوزراء العربى الأمين العام ووزيرى خارجية قطر والامارات الى نيويورك على نحو عاجل للضغط والعمل من اجل إحداث تعديلات على مشروع القرارالمثيل للجدل والمكرس للاحتلال الاسرائيلى دون كلفة ، يمثل هذا الابتعاث محاولة اخيرة لإسماع الصوت العربى فى مجلس الامن وأن يكون للعرب المشورة فى القرارات المصيرية التى تهمهم ، فهل يفلح الوفد العربى فى إحداث تعديلات على مشروع القرار تلبي المطالب اللبنانية وتضع حداً نهائياً لعربدة اسرائيل فى المنطقة تحت الحماية الامريكية سياسياً وعسكرياً .
اجتماع وزراء الخارجية العرب برغم الظروف الاستثنائية التى عقد فيها ، وكونه جاء على أشلاء ورفاة مئات اللبنانيين وركام البنية التحتية والخدمية للدولة اللبنانية ، لكنه استطاع ان يتجاسر فوق مرارة اللحظة وقساوة الالم ويقفز الى القول الفصل بدعم نقاط السنيورة السبع والفعل بإيفاد مندوبين عنه الى مقر مجلس الامن مطالبين بتعديلات جوهرية على مشروع القرار الامريكى الفرنسى الذى يجد بصيغته الحالية الرفض القوى من الساسة اللبنانيين كافة.
وكان رئيس الوزراء اللبنانى فؤاد السنيورة كبيرا فوق الخصومة عندما شدد فى المؤتمر الصحفى عقب الاجتماع على ضرورة تجاوز الماضى القريب الذى جسد الخذلان الرسمى العربى للشعب اللبنانى ومقاومته الباسلة، بالرغم من ان حشرجات الحزن فى صوته امام فاتحة المؤتمر قالت الكثير عن جراح لبنان فى العرب وجراح العرب فى لبنان، واللافت ان اجتماع العرب وربما لأول مرة لم ينته الى خطب عصماء مدبجة بعبارات الشجب والادانة بل الى بيان عملى ، فالضربات التى تلقاها الجسد الرسمى العربى من الشعوب والاعلام العربى طوال ايام الحرب كانت كفيلة بإفاقته من وهدة اللامبالاة، واجتماع بيروت اثبت ان جرح (الميت) له ألم وألم إيجابى كمان !

Saturday, August 05, 2006

وقف إطلاق النارالآن

مع تزايد تدهور الحالة الانسانية فى لبنان، وسط نيران الحرب الاسرائيلية ضد المدنيين اللبنانيين، لم يعد هناك من مطلب سوى وقف اطلاق النار، وكل الجهود الدبلوماسية التى لا تنتهى الى وقف فورى وغير مشروط للنار تصبح بلا جدوى، فليس هذا أوان الكلام المنمق والمكرس للاستهلاك السياسى او رفع العتب عن بعض اشقاء لبنان الذين جانب الصواب مواقفهم الابتدائية من الازمة، لم يعد يفيد ، وعلى عشرات الساسة والدبلوماسيين الذين ظلوا يروحون ويغدون من بيروت ان يقولوا بوقف عاجل لاطلاق الناراو ليصمتوا.
وقف اطلاق النار الآن مطلب انسانى لا شأن له بالمعركة بين اسرائيل وحزب الله ، لاسرائيل ان توقف غاراتها الجوية على المدنيين وتواصل منازلة حزب الله فى المعركة البرية بالجنوب ان استطاعت له دحرا ، وهى التى عجزت على مدى ثلاثة اسابيع الحاق الاذى بالمقاومة اللبنانية التى يقودها حزب الله .
لا توجد حرب فى الدنيا مهما طال أمدها لا تنتهى بوقف لإطلاق النار، والطرف الذى بدأ باطلاق النار هو من يبدأ بإيقافها، ولكن اسرائيل ترى فى اعلان وقف اطلاق النار اعلاناً لهزيمتها ، فصمود المقاومة يجعلها تتخبط اكثر، وترتكب جرائم افظع بحق المدنيين العزل، الذين تود ان تفرغ عليهم جام خيبتها وهزيمتها فى هذه الحرب، ولهذا السبب طلبت اسرائيل. قال وزير البنية التحتية ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعازر إن الجيش الإسرائيلي يحتاج مابين عشرة إلى 14 يوما لإكمال مهمته في لبنان، وإبعاد مقاتلي حزب الله عن الحدود مع إسرائيل في سياق الهجوم الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية في وقت سابق، وتبع ذلك اعلان البيت الابيض ان وقفا فوريا لاطلاق النار ليس مطروحا في المرحلة الراهنة.
اجتماع الدول التي قد تشارك في القوة الدولية المقبلة في لبنان الذي قررت الامم المتحدة عقده اليوم الخميس يواجه اختياراً آخر للإرادة الدولية بعد ان افشلت بريطانيا قرارا من الاتحاد الاوروبى لوقف اطلاق النار، وبريطانيا فى موقفها هذا تتبادل الادوار مع امريكا التى تسخر الفيتو لاجهاض اى قرار داخل مجلس الامن ضد اسرائيل وتتولى بريطانيا الجبهة الاوروبية لتضييق الخناق على اللبنانيين.

Tuesday, August 01, 2006

حراك اقليمى بعد قانا

لم تقتصرتداعيات مجزرة قانا التى ارتكبتها آلة الموت الاسرائيلية بحق الابرياء من النساء والاطفال ، على الداخل اللبنانى الذى اعادت له الكارثة تماسك لحمته الواقية، وحسب بل تجاوزت التداعيات الفارقة للمحيط الاقليمى والدولى باستثناء امريكا التى باتت وحيدة فى موقفها النشاز وفى تماهيها المطلق مع اسرائيل لدرجة بتنا فى حيرة من تمييز العربة من الحصان، هل اسرائيل تقود الحرب ومن خلفها امريكا ام الحرب حرب امريكا ومن خلفها اسرائيل، ليس المهم فك هذه الشفرة الواضحة ، ولكن المهم ان لا تترك المواقف الامريكية النشاز تمر هكذا دون التدبر فيها وفضحها للرأى العام العالمى ليزداد يقينا بان الادارة الامريكية الراهنة بلا اخلاق ولا احترام للانسانية وهى جمع من شتات شذاذ الآفاق .
عودة الى تداعيات قانا والى الجانب الايجابى من الصدمة المذهلة، الذى يتجلى فى تعزيز الوحدة اللبنانية ضد العدو، وظهور تضامن اقليمى مع لبنان فى محنته الراهنة وهى محنة المنطقة بأسرها، ومحنة يتمخض عنها واقع جديد فى المنطقة، واقع لا يمت بصلة الى ماقبل 12 يوليو، واقع يتشكل من اشلاء وانقاض قانا واخواتها من القرى والبلدات فى الجنوب اللبنانى ، حيث رائحة الموت والدم والخراب وارقام الضحايا التى تتضاعف فى اليوم عشرات المرات، هذا الواقع الجديد الآخذ فى التبلور اعاد ويعيد مع كل منعطف خطير - مثل قانا- خلط الاوراق السياسية بالمنطقة ، وانتقال دول من خانة الفرجة واللامبالاة الى دائرة الفعل الايجابى حتى وإن كان تنديدا لفظيا بجرائم اسرائيل وقد عز ذلك فى ايام الحرب الاولى قبيل انقشاع ضباب الاعلام الاسرائيلى والامريكى، حراكا دبلوماسية اقليميا كثيفا شهدناه فى مرحلة مابعد قانا ، نأمل ان تتبلور فى موقف اقليمى قوى داعم لوقف فورى لإطلاق النار دون شروط، قبل الدخول فى مفاوضات تبحث الملفات كافة وتفضى الى تسوية شاملة للصراع العربى الاسرائيلى على نحو يرد الحقوق الى اصحابها ويحفظ الكرامة والسيادة ويضع حدا للتهديدات الاسرائيلية بشن حرب سابعة على البلدان العربية فى التاريخ.
الحراك الاقليمى الذى اشرنا اليه يتمثل فى زيارة وزير خارجية ايران الى بيروت فى وقت أجرى رئيس البرلمان الإيراني محادثات هاتفية مع رئيس مجلس الشورى السعودي ورئيس البرلمان الكويتي لتنسيق المواقف حول الأزمة اللبنانية.