Thursday, June 14, 2007

سر الجفوة بين الخرطوم وباريس


سر الجفوة بين الخرطوم وباريس
كوشنير... الدخول من باب الخروج
تقرير: محمود الدنعو
هل جاء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الى الخرطوم من باب الخروج ، وخرج صفر اليدين فى اول زيارة له ،وهل فشله فى تسويق (المبادرة الفرنسية) للحكومة السودانية يعود لسوء عرض، ام سوء فهم، واسئلة اخرى حائرة لوحت للوزير كوشنير بمطار الخرطوم ضمن مودعيه وهو عائد من جولته الافريقية الاولى، مكسور الخاطر، بعد ان رفضت الحكومة مبادرته، صدتها بدبلوماسية ناعمة ، عندما قال وزير الخارجية الدكتور لام أكول للصحافيين عقب لقائه كوشنير إن الحكومة تنتظر خارطة طريق أعدها وسطاء من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ستعلن قريبا، وبالتالي فإن أية مبادرة أخرى يمكن أن تثير ارتباكا.
ويمكن للقارئ ان يستشف من تصريحات المسؤولين فى الطرفين، الاجابة على سؤال كيف رفضت الخرطوم المبادرة الفرنسية، ولكن الاجابة على سؤال لماذا رفضت؟ يظل قيد التكهنات وان اجتهد المحللون فى ذلك ، ومهد الوزير الفرنسي لاعلان فشل مبادرته تلميحا عندما وصف لقاءه مع الرئيس عمرالبشير قائلا ان اللقاء (لم يكن سهلا)، ووعورة اللقاء تكمن فى اصطدام كوشنير بمواقف البشير وآرائه الصارمة تجاه الانشغال الدولي بملف دارفور الذي يرى البشير ان وراء هذا الانشغال اجندة سياسية، بينما حاول كوشنير اقناع البشير ان الاهتمام انساني محض، وهنا جوهر فشل مهمة كوشنير الآتي الى الخارجية الفرنسية عبر بوابة العمل الانساني ومفهوم التدخل الانساني، ودافع كوشنير عن نوايا بلاده حينما قال «ليس لدينا أية اجندة سياسية سوى تحقيق الامن والسلام والاستقرار ووحدة السودان». واكد كوشنير ان الاجتماع مع البشير «كان مفيدا لكن تظل صعبة وهي ان الافارقة يريدون ان تتولى افريقيا حل مشكلاتها بنفسها». وتابع «انا افهم ذلك واؤيده لكني اعتقد في الوقت نفسه انه في ما يتعلق بدارفور لا يمكن ان يتم التعامل مع الامر على انه مشكلة افريقية محضة». واضاف ان «احترام الحقوق الانسانية مسألة تخص العالم اجمع واظن ان هذا اللبس لا يمكن ازالته بسهولة».
الصخرة الاخرى التي اصطدم بها كوشنير انه أمر بما لا يطاع او يطاق فى الخرطوم وهي الدعوة إلى القبول بنشر قوات دولية في دارفور، والتعاون مع محكمة الجنايات الدولية بلاهاي.
وحرصت الحكومة على تبيان ان رفضها للمبادرة الفرنسية لا يعني عدم ترحيبها بدور فرنسي داعم للجهود الدولية والاقليمية الساعية لانهاء النزاع بدارفور، وترك البشير باب الرجاء موصولا بباريس التى يقدر لها العديد من المواقف مع السودان وذلك عندما طلب البشير من كوشنير ان تلعب فرنسا والاسرة الدولية دورا ايجابيا في ازمة دارفور عن طريق الضغط على الحركات المسلحة لقبول العملية السلمية الى جانب المساهمة في عودة النازحين لقراهم.ومن جانبة قال وزير الخارحية الدكتور لام اكول: اوضحنا له (أي كوشنير) ان السودان لا يوافق على المقترح الفرنسي باعتبار ان الوقت غير مناسب ولا مبرر له خاصة، واضاف اخبرنا كوشنير بانه يمكن لبلاده ان تسهم بدعم قوات الاتحاد الافريقي ماديا للمساعدة في عملية نشر القوات على الارض بدارفور.
وذات الحرص يمكن تلمسه فى حديث مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين الذي قال «إننا نقدر من دون شك إصرار كوشنير ولكن بعض أفكاره بحاجة إلى دراسة».
وبحرص ربما متبادل اوضح كوشنير في تصريحات للصحافيين «ان الهدف من الاجتماع مع البشير كان لتذكيره بالتزاماته اذ انه وقع عددا من الاتفاقات وافهامه من دون أية نزعة عدوانية ان العالم متأثر» بالوضع في دارفور.
و اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال قمة مجموعة الثماني في ألمانيا عن عقد اجتماع دولي حول دارفور في 25 يونيو في باريس، لإعداد استراتيجية مشتركة لحل الأزمة السياسية والمأساة الإنسانية ،وتنص المبادرة الفرنسية المتعثرة على اجتماع على المستوى الوزاري لدول مجموعة الاتصال بشأن دارفور أواخر الشهر الحالي، بباريس بالتزامن مع زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس إلى باريس في 25 من هذا الشهر. وسيشارك في الاجتماع وزير الخارجية الصيني يانغ جيشي وعشرون مندوبا آخرين عن بلدان ومنظمات (الامم المتحدة والاتحاد الافريقي).
و تتعلق المبادرة التي قدمتها باريس لمعالجة أزمة دارفور أولا بالجانب الإنساني، وتنص على كيفية القيام بترتيبات أوروبية في شرق تشاد لإنشاء ممر إنساني يساعد على إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان دارفور، ونبهت مصادر فرنسية الى ان المبادرة لا تستبدل ولا بأي شكل فكرة نشر قوات مختلطة (أممية وافريقية) في الإقليم. وقالت إن الممر الإنساني المقترح قد يكون ''جسرا جويا'' من تشاد إلى دارفور.
وكان كوشنير تلقى فى انجمينا المحطة السابقة للخرطوم حيث التقى فيها الرئيس إدريس ديبي، كما زار معسكرات اللاجئين من دارفور فى شرق تشاد، دعما لافكاره عندما أكد ديبي أن بلاده لا تعارض من الناحية المبدئية نشر قوة دولية على الحدود الشرقية لتشاد مع إقليم دارفور، مشيرا إلى أن المقترحات المتعلقة بنشر قوة شرق البلاد سيعلن عنها بحلول 25 يونيو، وهو موعد اجتماع دعت باريس إلى عقده لبحث أزمة دارفور.
وحتى لا يذهب المحللون فى تفسيراتهم لفشل مهمة كوشنير مذاهب شتى سارعت الخارجية الى بيان للناس أكدت خلاله عدم قبول السودان لفكرة قيام مؤتمر باريس ومحتواه واوضح ان فرنسا في اعدادها وتحضيرها للمؤتمر لم تتصل بالسودان او تتشاور معه بحسبان ان البحث في مسألة دارفور شأن يخص السودان ولا يمكن لاي نتائج يتوصل اليها الاجتماع ان تكون ذات اثر دون موافقة ومباركة السودان.
وذكر بيان الخارجية ان اجتماع طرابلس الاخير اقر وثيقة تضمنت توحيد المبادرات وبسط خارطة طريق لتحقيق السلام عن طريق التفاوض لتفعيل الحل السياسي لمشكلة دارفور، وذلك بقيادة الاتحاد الافريقي والامم المتحدة بقيادة د.سالم احمد سالم ويان الياسون. واكد البيان حرص السودان على حل مشكلة دارفور وتحقيق الامن والاستقرار في ربوعه، وناشد المجتمع الدولي والدول المحبة للسلام لتفعيل مسار الحل السياسي.
لغة البيان واسلوبه تذكرنا بالاعتراضات التي تبديها الحكومة للمقترحات الامريكية لحل ازمات السودان، مما يدعم الاتجاه الذي يفسر الجفوة الراهنة بين الخرطوم وباريس بوصول ساركوزي اليميني الداعم وصاحب الرؤى المتطابقة مع الرئيس الامريكي جورج بوش على عكس سلفه جاك شيراك.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home