Thursday, May 11, 2006

افريكانيات

مراجعات اسبوعية في السياسة والأدب
اعداد : محمود الدنعو


حرية الصحافة: صراع السيف والقلم!

يشكل اليوم العالمى لحرية الصحافة الذى صادف الثالث من مايو سانحة طيبة لتقليب المواجع والاوراق حول اوضاع حرية الصحافة والتعبير فى افريقيا التى تشهد صراعا مستداما بين السيف والقلم ، واطلق الصحافيون الافارقة فى ذلك اليوم العنان لحناجرهم واقلاهم لا لتجأر بالشكوى فقط بل وتكشف واقعا مريرا يعيشون فيه ويناضلون من اجل ايصال الحقائق الى الشعوب المحرومة من كل شىء بينما يملك القادة كل المفاتيح ويقسمون الحقوق على الرعية بمقدار حتى الكلام يضعون امامه الف متراس ومتراس، والشاخص لواقع الصحافة والصحافيين فى افريقيا لابد ان يأسف حد الاسى على المشهد القاتم فى زيمبابوى التى قبع اكثر من مائة صحافى فى سجونها خلال الاعوام الستة الماضية وتمارس حكومة موغابى اقسى انواع الرقابة على الصحافة وتبدع فى وقع العراقيل امام عملهم فحسب قانون الصحافة فى زيمبابوى على الصحافى ان يجدد رخصة العمل الصحفى سنوياً وفى حال تم ضبط صحافى يعمل من غير رخصة فالعقوبة هى السجن لمدة عامين وعلى الشركات الصحفية ان تجدد ترخيصها مرة كل عامين والا تعرضت الى الاغلاق وصودرت اصولها ومعداتها لصالح الدولة، وتصل العقوبات للصحافى الذى ينشر معلومات مغلوطة او يسىء الى موغابى الى السجن ستة اعوام كما يسمح القانون للحكومة بالتجسس على مكالمات الصحافيين وصناديق بريدهم .
وقراءة عاجلة فى بيان الاتحاد الدولى للصحافيين الذى اصدرته عشية الذكرى السنوية لحرية الصحافة تلخص المأساة اربعة صحافيين افارقة لقو حتفهم العام الماضى وهم هارى يانسانه من سيراليون وفرانك كانغوندو من الكنغو الديمقراطية ودنيا محى الدين نور وكاتى بياتون من الصومال ، فضلا عن عشرات القابعين فى المعتقلات ففى اثيوبيا واريتريا فقط نحو 30 صحافى فى السجون وقال الاتحاد فى بيانه ان الصحافيون الافرقة يواجهون تحديات كبرى مثل القتل والاعتقال والتعذيب وقوانين الصحافة المجحفة وحثهم على مواجهتها من اجل مواصلة رسالتهم الصحافية وقال ان الحاجة باتت ماسة الى بناء ثقافة حرية الصحافة وحرية التعبير فى افريقيا.
فى كينيا تزامن الاحتفال مع مؤتمر للاعلام بشرق افريقيا تنظمه السفارة الامريكية والجامعة الامريكية العالمية وجامعة نيروبى واستغل سفير الولايات المتحدة لدى نيروبى وليم بلامى المناسبة ليشن هجوما على حكومة الرئيس الكينى مواى كيباكى وينفى عن الصحافة الكينية تهمة تهديد الامن وهى التهمة التى بررت بها حكومة كيباكى العنف الذى مارسته مع صحيفة استاندر فى مارس الماضى باقتحام الامن لمقار الصحيفة والقناة التلفزيونية التابعة لها واحراق بعض الاجهزة والممتلكات وترويع الصحافيين ، وقال ناصحا كيباكى انه عندما تبدأ فى التعامل مع الصحافة كمهدد للامن فانت تبدأ فى ذات الوقت رحلة التراجع بكينيا الى عصور الظلام والماضى الذى لاترغب ان تكون بلادك فيه واضاف ليس من مهمة الصحافة ان تجمل الحكومة ولكن مهمة الصحافة نشر الاخبار الجيدة التى تستطيع الحكومة انجازها، وزير الاعلام الكينى خاطب المؤتمر الذى يضم 156 صحفياً من كينيا وتنزانيا ويوغندا ومدغشغر قائلا ان التحدى الذى يواجه الصحافيين الافارقة رسم اساليبهم وطرائقهم فى العمل الصحفى بعيدا عن النماذج الغربية ، التى توجه الصحافة الافريقية الى قيم غربية قائمة على الاثارة والاحتفاء بالغرائبية والفضائح اكثر من الموضوع، واضاف قيم الصحافة ليست واحدة فى العالم باسره فالقارىء فى بابوغينيا الجديدة ليس هو فى نيويورك ولا هو فى سامبورو بكينيا
الصحافيون فى زامبيا تجمعوا امام تمثال الحرية وسط العاصمة لوساكا وهم يتطلعون الى الحرية المفقودة وحدثتهم يوفونى شيبيمبا رئيس لجنة حرية الصحافة فى زامبيا قائلة ان حرية الصحافة اداة رئيسة لتأسيس الحكم الرشيد والاعتراف بالحقوق الاساسية للانسان والشفافية السياسية واعتبرت الاحتفال باليوم العالمى لحرية الصحافةاسهام فى الحوار الهادف لحماية حرية الصحافة وحرية التعبير ، واضافت الصحافة المستقلة تلعب دور الرقيب على المجتمع وبحاجة الى دعم ، وفقط من خلال الصحافة المستقلة يمكن تعزيز المجتمع المدنى، ودعت الحكومة الى الايفاء بالتزاماتها من اجل تغيير قانون الصحافة وازالة التعقيدات الى تحول دون اداء الصحافيين لمهامهم بحرية وفاعلية .
فى الكمرون لفتت صحيفة (كمرون تريبيون) الى مسألة يجدر الانتباه اليها عند البحث عن ضمانات وكوابح تحصن الصحفى نفسه من الانحراف بمعيار الحيادية والنزاهة والشفافية عن ممارسة العمل الصحافى ودعت الى تخليص الكمرون ممن اسمتهم (صحافيى البطون) وقالت ان الصحافى الذى يمد يده او يحرص على التغطيات التى تصاحبها موائد شهية والانتفاع باجرة التاكسى التى يتحصلها من المؤسسة دون التنقيب والنبش عن الحقائق هذا النوع من الصحافيين يمثل تهديداً للصحافة الحرة ، وقالت ان الصحفى الجائع لا يمكن ان يكون حرة وبالتالى لا يمكن ان يساعد المجتمع من اجل استئصال الفقر.

22 مليون مستخدماً للانترنت فى افريقيا
من بين مئات الاخبار والكتابات عن افريقيا التى تتساقط علينا من هذا الفضاء المفتوح بالكاد نعثر على واحد سار ، وعندها يجدر بنا الاحتفاء به واعطاءه حقه من الابراز ، وبمناسبة اليوم العالمى لحرية الصحافة استضاف موقع (واشنطون فايل ) التابع لاعلام وزارة الخارجية الامريكية ريد كرامير احدى مؤسسى موقع (اوول افريكا دوت كوم ) والذى قال ان افريقيا هى الاكثر والاسرع فى استخدام الانترنت ، وبلغة الارقام عضض كرامير فرضيته ، عندما اقتبس من احصاء اجراه موقع (انترنت وورلد استيت)، ان مستخدمى الانترنت فى افريقيا يتجاوزون ال(22) مليون مستخدم ، وبما ان 16% من سكان العالم يستخدمون الانترنت فان نصيب افريقيا منها 2.5%، ولكن ما الذى يجعل كرامير ويجعلنا من بعده نبتهج بهذه الارقام ، يقول كرامير من الاستخدام الواسع للانترنت وسط الافارقة يمثل محور هاماً فى نشر وممارسة حرية التعبير والصحافة وتعزيز الديمقراطية والشفافية .
وخارطة البلدان الاكثر استخداما للانترنت فى افريقيا تتوزع جغرافيا لتغطى القارة ، ففى المرتبة الاولى جنوب افريقيا ثم مصر والمغرب وكينيا، ولعل الجانب الاكثر اشراقا فى ثورة الانتشار الواسع لاستفادة من الانترنت انها لا تقتصر على العواصم والمدن الكبرى فى القارة بل انتشرت بشكل ملحوظ فى الريف ، ويبقى الامل فى استخدام مثمر يدفع بعجلة التنمية والتحديث ويفتح افاق ارحب لحرية التعبير والحكم الرشيد فى القارة .

جاكوب زوما براءة ولكن !
رغم ان المحكمة قضت ببراءة جاكوب زوما النائب السابق لرئيس جنوب افريقيا، من تهمة اغتصاب صديقة لاسرته مصابة بالايدز"، الا ان مستقبل الرجل السياسى لا يزال غامضا، فلا تزال تتنظره قضية فساد اخرى تنظر فيها المحكمة فى يوليو المقبل ، وجاكوب ينظر الى كل هذه الاتهامات كمؤامرة سياسية يحيكها خصومة فى حزب المؤتمر الوطنى الحاكم لوضع حد لتطلعاته لخلافة الرئيس تابو امبيكى فى انتخابات العام 2009 ، ويتمتع جاكوب بشعبية كبيرة داخل الحزب اكتسبها من تاريخه الناصع فى مجال محاربة التمييز العنصرى فى جنوب افريقيا ولكن ذلك الثوب النضالى ناصع البياض اصبح ملطخا بفضائح اخلاقية وبما ان المحكمة برأت زوما من تهمة الاغتصاب لكنها اثبتت فى مدوالتها ان زوما مارس الجنس معها برضاها،وسارع زوما الى الاعتذار للشعب فى بيان بث بصوته وقال انا لست ملاك واكد فى البيان ذاته عزمه على القيام بدروه السياسى على نحو يخدم مصالح الشعب ، وفى جنوب افريقيا تقول المنظمات المناهضة للاغتصاب والعنف ضد المرأة انه خلال كل 26 ثانية هناك امراة يتم اغتصابها ومن بين كل تسع واحدة فقط تبلغ الشرطة وباتت هذه المعدلات الخطيرة تشكل هاجسا امنيا واجتماعيا فى جنوب افريقيا التى تعانى من ارتفاع معدلات الجريمة والاصابة بالايدز ، انتهت قضية جاكوب وبقيت اخريات فهل يخرج من قضية الفساد بالبراءة ذاتها ويبقى السؤال هل لا تزال شعبيته فى ارتفاع ، الحشود التى تدافعت الى ساحة المحكمة واطلقت لفرحتها العنان عقب النطق بالحكم والتظاهرات والتجمعات التى اعقبت ذلك ، تؤكد ان الرجل لايزال يستمتع بشعبية واسعة رغم عزل الرئيس امبيكى له وتقديمه للمحاكمة لكسر كبريائه والحد من طموحه السياسى .


محمد امين شاهد على العصر

من شابه اباه فما ظلم ،قفزت الى ذهنى هذه المأثورة العربية وانا اقرأ آخر سطر من تقرير شيق كتبة مارك لاسى لصحيفة النيورك تاميز ونشر فى 11 مايو عن قصة المصور الصحفى الكينى محمد امين وابنه سليم امين ، فمحمد امين مؤسس وصاحب شركة (كاميرابيكس) اكبر مزود للصحافة ووكالات الانباء العالمية بالصور الصحفية التى توثق وتبرز اهم التحولات فى شرق افريقيا ، بدأ محمد من استديو صغير فى دارالسلام بتنزانيا فى العام 1960 وسرعان ما تطورت اعماله فانتقل الى نيروبى فى العام 1966، لتصبح واحدة من افضل الشركات التى تزود وسائل الاعلام بالصور الفتوغرافية واللقطات التلفزيونية للاحداث فى شرق افريقيا ، ويعتبر امين ابن عامل السكك حديد الهندى الذى استقر به المقام فى شرق افريقيا شاهد عصر على احداث هزت شرق افريقيا فهو اول من صور اغتيال الزعيم توم موباى فى كينيا عام 1969 ، وهو من صور اللحظات الاولى لتوغل المتمردين فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا العام 1991 والاطاحة بنظام منقستو هيلاميريام ، ولمحمد امين قصة طريفة مع الرئيس اليوغندى الاسبق عيدى امين ففى الايام الاولى لانقلاب امين العام 1971طلب محمد امين من مكتب الرئيس السماح له بمقابلة الرئيس واكتفى بالقول انا محمد امين اود مقابلة الرئيس فظن مساعدو عيدى امين ان الرجل يمت للرئيس الجديد بصلة القرابة لتطابق اسم العائلة وكان محمد امين من اول المصورين الذين التقطوا صورا للراحل عيدى امين.
وثق محمد امين بالكاميرا لاحداث كثيرة ومثيرة فى شرق افريقيا خلال القرن العشرين ومات فى حادث تحطم طائرة فى العام 1996 ، ليخلف ابنه سليم والده فى ادارة شركة كاميرا بيكس ولكنه يتجه بها نحو الافلام الوثائيقة اكثر من الصور واللقطات الاخبارية التى لم يعد سوقها رائجا على ايام والده فقد اصبح للكل وكالة مندوب ومصور فى مناطق الاحداث الساخنة ، ومن ضمن الافلام الوثائقية التى انتجتها الشركة اخيرا فيلم Mo & Me او انا ومحمد ، اى سليم ووالده ، والفيلم حصل على جائزة مهرجان الافلام الوثائقية بلوس انجلوس ومهرجان نيويورك للافلام المستقلة قبل ان يعرض فى نيروبى الاسبوع المقبل ، وسليم شق طريق والده ولكن بطموح معاصر وحلم فى اقامة فضائية افريقية تصبح بمثابة (الجزيرة) الافريقية .

0 Comments:

Post a Comment

<< Home