Tuesday, February 21, 2006

الانتخابات اليوغندية تصفية حسابات أم صراع اجندات ؟


هل يواصل (بص) موسفينى رحلته نحو فترة رئاسية ثالثة ام يكون لدى منافسه كيزا (مفتاح ) الحل والتغيير الاجابة هلى هذا السؤال يحددها الناخبون اليوغنديون عندما يختارون بين رمزى (البص) و(المفتاح) فى اول انتخابات حزبية تعددية تشهدها كمبالا منذ نحو اكثر من عقدين حيث تجرى فى الثالث والعشرين من فبراير الجارى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وتكتسب اهميتها من اجواء المعارك التى اثارت غبارها الحملات الانتخابية السابقة لها ، ومن شخوصها الرئيس يورى موسفينى الساعى الى اضافة ست سنوات اخرى لسنى حكمه التى تجاوزت العشرين بايام قليلة ، ومنافسة الشرس الدكتور كيزا بسيقى الذى يتمتع باصرار اسطورى فى دخول حلبة التنافس للمرة الثانية بعد ان خسرامام موسفينى فى العام 2001 الانتخابات بحصوله فقط على (27%) من الاصوات مقابل (70%) للرئيس موسفينى ، ولم يكن الطريق الى الانتخابات ممهدا امام كيزا الذى تقلب فى جمر المنافى والمعتقلات والمحاكم ،فاضافت مسيرته الدرامية بمحطاتها المثيرة من اعتقالات وتظاهرات وجدل امام المحاكم وعلى صفحات الصحف بعدا جاذبا لوسائل الاعلام لتغطية هذه الانتخابات التى تعطيها القضايا التى يزايد كل فريق عليها السخونة المطلوبة ، فالمعارضة تشهر فى وجه موسفينى لائحة طويلة من الوعود المؤجلة التحقيق منذ العام 1986 وتنطلق المعارضة فى هجومها على موسفينى من تشبثه السافر بالسلطة وفشله الذريع فى استئصال الفساد ، وخيبته فى انهاء الصراع فى شمال البلاد مع جيش الرب ، وتجمع اطياف المعارضة على ان موسفينى لم يقدم الا النذر اليسير فى محاربة الفقر.فى المقابل بنى موسفينى حملته الانتخابية على ما اسماه انجازات منظورة فى مجالات الرعاية الصحية والتعليم ومحاربة الفقر والاقتصاد والبنى التحتية.
سيقرر اكثر من عشرة ملايين ناخب على مدى عشر ساعات من خلال عشرين الف مركز اقتراع ، ليس هوية الرئيس القادم فقط بل ملامح مرحلة كاملة يتطلع اليها اليوغنديون ، فاما ان يواصل موسفينى وحزبه (حركة المقاومة الوطنية ) حكم يوغندا منذ 1986، او ينتصر دعاة التغيير فيحملوا حزب (منبر التغيير الديمقراطى ) بزعامة كيزا ، وإحتمال ضعيف ان تصل اول إمراة الى سدة الحكم هى ارملة الرئيس الاسبق ابوتى ، والمعركة الانتخابية الراهنة تبدو فى مجملها معركة بين خصمين لدودين هما موسفينى وكيزا ، فالثانى منذ ان فشل فى انتخابات 2001 ظل يشن هجوما شنيعا على موسفينى خلال فترة منفاه الاختيارى التى امتدت لاربعة اعوام بين امريكا وجنوب افريقيا ، وعندما عاد فى نوفمبر الماضى عقد فور وصوله لمطار عنتبى مؤتمرا صحافيا كال فيه جميع انواع الانتقادات لموسفينى ، فلم يستطيع موسفينى عليه صبرا فاودعه السجن بعد اقل من اسبوعين من عودته وظل حتى الاسبوع الماضى يواجه تهمة امام المحكمة تتعلق بالارهاب والخيانة الوطنية والاغتصاب اعتبرها كيزا بدافع سياسى وللنيل منه كأهم منافس لموسفينى ، وكان موسفينى يواصل حملته الانتخابية متنقلا بين الارياف اليوغندية بينما كيزا اما معتقلا او ماثلا امام المحكمة ويقول موسفينى ان كيزا لن يفوز عليه وهو لايشكل اى تهديد بالنسبة له ، ويتسم كيزا العقيد السابق فى الجيش وابن ضابط الشرطة المتحدر من غرب يوغندا بصرامة والصبر من اجل تحقيق هدفه السياسى ، وقد كان صديقا مقربا الى موسفينى وعضوا فى الحركة الشعبية اليوغندية بزعامة موسفينى ، وعند تخرجه فى كلية الطب عام 1975 من جامعة ماكررى عمل الطبيب الخاص لموسفينى منتقلا معه فى الادغال ايام العمل العسكرى، وعندما تسلم موسفينى السلطة عينه وزيردولة بوزارة الداخلية وهو لم يبلغ بعد الثلاثين من عمره ، لكن المسافات بين موسفينى وكيزا بدأت فى التباعد كلما صعد نجم كيزا جماهيرا على حساب موسفينى ، فبدأ الفتور يدب فى العلاقة مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينان ثم جاءت المفاصلة قبيل انتخابات 2001 عندما وصف كيزا علنا الحركة الحاكمة بعدم الديمقراطية والنزاهة وبالفساد، ثم انسلخ عن موسفينى وخاض الانتخابات ضده كمرشح مستقل ، وبعكس موسفينى الذى يتكىء على تاريخ حزبه النضالى الطويل ، فان كاريزما كيزا الشخصية وليس حزبه منبر التغيير الديمقراطى هى ما يعول عليها فى حسم التنافس لصالحه ،والمعركة بين موسفينى وكيزا انتقلت الى زوجاتهم جانيت موسفينى المرشحه لعضوية المجلس المحلى في روهاما، غرب يوغندا، وبيانيما بسيقى القيادية بمنبر التغيير الديمقراطى عندما تبادلن التهديدات علنا بكشف المستور، و بيانيما بسيقى التى كانت مقربة وزوجها فى يوم ما من موسفينى هددت بكشف بمخالفات مالية تتعلق بالانتخابات السابقة ، وتسربت رسالة الى صحيفة (نيوفيشن) الحكومية ونشرتها فى الرابع عشر من يناير الماضى الرسالة من قياديين فى المنبر هما جاك سابيتي وويني بيانيما يطلبان فيها من رئيس المحكمة العليا بنجامن أودوكي فتح تحقيق حول رشوى قدمها البرلمان الذى تسيطر عليه الحكومة إلى قاضيين كبيرين للتأثير عليهم للحكم ضدّ بسيقى وبلغت (600) مليون شلن وهى مايعادل (331) الف دولار، وعندما طالبت السيدة جانيت موسفينى من المعارضة الكف عن توجيه الاهانات لزوجها ردت عليها بيانيما بسيقى بالقول ان السياسة كالمطبخ اذ كنت لا تحتملين حرارة المواقد عليك الخروج من المطبخ .
واصابت الحملات الانتخابية بين ابرز مرشحين العديد من اليوغنديين الوطنيين بخيبة امل، فالصراع بين شخصين ، ولم يقدم اى من الحزبين والمرشحين برنامجا سياسيا يخلص يوغندا من تراجع النموالاقتصادى ومن تفاقم المشاكل الامنية فى الشمال ومن تحسن علاقاتها الاقليمية ، يقول جون مايجا، الناطق بلسان الحزب الديمقراطي :انه شىء مؤسف ، فالحملات يفترض ان تكون حول القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية،ولكن التبادل المستمر للاتهامات بين المنافسين البارزين يشير الى ان التنافس شخصى وليس حول القضايا.
وبعيدا عن الهجوم والهجوم المضاد حول المسائل الشخصية تناولت حملة المعارضة انتقادات موضوعية الى فترة الرئيس موسفينى لاسيما حول موضوع الفساد الذى ضرب مفاصل مهمة فى الدولة فالضباط والجنود الذين ارسلهم موسفينى الى الكنغو عادوا بفضائح مالية كبري تتعلق بالاتجار فى الماس ، كما ان تهما بدفع رشاوى لنواب فى البلمان لإقرار تعديلات فى الدستور تسمح لموسفينى بالترشح لفترة ثالثة ، وكان الصندوق العالمى لمحاربة الايدز والسل والملاريا قد قطع معوناته عن يوغندا بتهمة سوء تصريف الموارد ، ولكن معسكر مؤيدى موسفينى له من الانجازات ما يمكنه من المساومة بها فى سوق اصوات الناخبين ، فموسفينى هو محرر الاقتصاد اليوغندى وهو الذى دعا المستثمرين الاسيويين للعودة بعد ان طردهم سلفه عيدى امين ، كما ان موسفينى واحد من القادة الافارقة القلائل المشهود لهم دوليا بالعمل لخفض معدلات الاصابة بالايدز وسط مواطنيه.
يخوض الانتخابات كذلك ثلاث مرشحين بحظوظ ضئيلة فى الفوز وهم ارملة الرئيس الاسبق ملتون ابوتى ماريا ابوتى التى تتزعم حزب مؤتمر شعب يوغندا، وهى تحاول استثمار التعاطف الشعبى الذى تجسد فى جنازة زوجها نهاية العام الماضى وهو مؤسس الدولة اليوغندية ، كما انها اول امرأة تترشح للرئاسة وهو ما يجذب لها اصوات النساء ، ورغم انها (كمبالية) فان اصوات اقليم بوجاندا معقل حزبها وزوجها يكمن ان تنافس عليها ، والملاحظ ان اغلب المرشحين ينحدورن من اقليم بوجاندا ، وماريا البالغة من العمر سبعين عاما عملت بالسفارة اليوغندية فى واشنطون قبل ان يتزوجها ابوتى ، ولا تمتلك تجارب سياسية فزعامة الحزب ورثتها بعد رحيل زوجها العام الماضى ، اما المرشح الثانى فهو جون سيبانا كيزيتو زعيم الحزب الديمقراطى وهو يبلغ الحادى والسبعين من عمره وحسب الدستور اليوغندى فان جون وكذلك ماريا ابوتى لا يحق لهما الترشح فى الانتخابات القادمة فى حال عدم فوزهما هذه المرة فالدستور يضع سن الـ(75) كسقف نهائي لمن يريد الترشح للرئاسة ، ويتطلع جون خريج كلية الإقتصاد في جامعة أوريغون، بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيس بلدية كمبالا السابق الى الرئاسة رغم الانتقادات التى توجه الى حزبه بالتحيز العشائرى والدينى ، وهو صاحب تجربة سياسية مقارنة بماريا فقد عمل وزيرا للتعاون والبلديات فى حكومة موسفينى الثورية الاولى اواخر الثمانينات، وخدم فى المجموعة الاقتصادية لشرق افريقيا ، اما المرشح الثالث والمستقل عبد بوانيكا فهو اصغرهم سنا (38)عاما ، ويرى المراقبون انه اقل حظا لتذبذب مواقفه ، ففى انتخابات 1996 شن هجوما على موسفينى وفى انتخابات 2001 هاجم كيزا ، وبوانيكا خريج الطب البيطرى من جامعة مكررى يدير شركة استثمارية خاصة فى مجال الطب البيطرى وهو متدين وقسيس دائم الصلوات بكنائس كمبالا .
آخر استطلاع للرأى اجراه معهد (استيدمان غروب) ومقره نيروبى لصالح صحيفة (مونتور) اليوغندية ونشرته فى الثامن عشر من فبراير الجارى اعطى الاستطلاع الرئيس موسفينى (47%) من الاصوات بينما حصل الدكتوركيزا بسيقى على (36%)،وحلت ماريا ابوتى ثالثة بـ(4%) و جون سيبانا حصل على (3%)، واحد فى المئة للمرشح المستقل عبد بوانيكا ، وكان استقصاء سابق اجرى فى مطلع ديسمبر المنصرم اعطى موسفينى ذات النسبة ومنح كيزا (32%)، ولكن برغم ان نتائج الاستطلاعين اعطت موسيفنى الصادرة ، الا انها لم تعطه الرئاسة التى بحسب الدستور اليوغندى لا يكمن الوصول اليها الا بعد الحصول على (50%) من اصوات الناخبين.
التجارب الانتخابية السابقة سواء فى يوغندا او غيرها من البلدان الافريقية المشابهة جعلت الرقابة الدولية عليها شرطا سابقا للقبول بنتائجها دون او مع الاحتجاج بعدم نزاهتها ، ويراقب هذه الانتخابات حوالى (400) مراقب اجنبى ،من الاتحاد الاوربى والكومنولث والاتحاد الافريقى ومجموعة شرق افريقيا ، فضلا عن (30) الف مراقب محلى من منظمات المجتمع المدنى ، منظمة هيومن رايتس ووتش الناشطة فى مجال الدفاع لاعن حقوق الانسان اصدرت فى الثالث عشر من فبراير تقريرا من مقرها بنيويورك طالبت فيه المراقبين بفتح اعينهم على الآخر ، واعتماد وسائل واساليب ناجعة للرقابة اللصيقة على العملية الانتخابية ، وقالت فى تقريرها انها تابعة الحملات الانتخابية ورصد الاجواء السابقة للانتخابات فخرجت منها بمخاوف كبيرة اخطرها حملات التخويف والتهديد للناخبين التى تمارسها الاجهزة الامنية ، كما شككت المنظمة فى نزاهة تمويل الحملات الانتخابية والتغطية الاعلامية لها بين المرشحين والاحزاب، وتتوقع لجنة الانتخابات ان تجرى العملية الانتخابية فى اجواء يظللها الامن والنزاهة وذلك من مسار الحملات الانتخابية التى مرت بسلام ما عدا احداث طفيفة ومتفرقة فى انحاء البلاد حسب بيان اللجنة ، بينما المشهد بزواية مراسل البى بى سى فى كمبالا ويل روس يبدو مغايرا لامانى اللجنة ، فهو يتوقع تصاعدا فى العنف اثناء عملية الاقتراع استنادا الى التصعيد والتحرش المتبادل بين انصار موسفينى وانصار كيزا ، لاسيما وان اثنين من انصار كيزا سقطا برصاص اطلقه مجهول عليهما امام المحكمة الدستورية لحظة احتفائهم بقرار المحكمة تأجيل النظر فى بعض القضايا العالقة ضد كيزا الى مابعد الانتخابات .

0 Comments:

Post a Comment

<< Home